تختص الذاكرة بتسجيل الخبرات البشرية المتنوعة، لكي يتم استعادتها واسترجاعها وقت الحاجة إليها، وهي عملية معقدة جدًا، وتعتبر وحدة أساسية في عمليات الإدراك والتعلم والاستيعاب، ولذلك تزداد أهميتها بشدة في التعليم وكل العمليات الإدراكية، وتلعب دورًا محوريًا في جميع وظائف السلوك الإنساني، والأكاديمي، والاجتماعي، والحركي، والانفعالي، واللغوي.
ولذلك فإن دراستها وتحليلها هام وضروري، وأي خلل أو قصور في إحدى وظائفها، يؤثر بالسلب على كل هذه العمليات الحيوية.
وترتبط بثلاث عمليات أساسية وهي الترميز، والتخزين ثم الاسترجاع، وهم مرتبطين ببعضهم في شكل دائرة مغلقة حيث يؤثر كلًا منهم في الآخر.
ويحدث فيها فك شفرة الانطباعات الحسية التي نستقبلها من العالم الخارجي، وإرسالها إلى الأجهزة العصبية التي تقوم بتحويلها إلى صورة ومعاني ومخيلات ورموز لها دلالات واضحة عند الشخص نفسه.
يتم تخزين المعلومات على هيئة أشكال وصور قد تكون سمعية، أو بصرية، أو تذوق، أو روائح، وتنتظر وقت استدعاءها لكي تقوم بالوظيفة المطلوبة منها أو العملية المتداخلة فيها، وتعتمد عملية الاحتفاظ بالمعلومة على المدة منذ بدأت عملية الترميز، والجهد المبذول فيها، وحجم البيانات ونوعها.
وهي العملية الأعقد بين الثلاث مراحل، لأنها تعتمد على تحديد مكان المعلومات من بين شبكة ضخمة من البيانات المتراكمة في العقل، والتي أحيانًا ما تختبأ وتتوارى خلف بيانات أخرى.
تنقسم الذاكرة البشرية إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
وهي المختصة بالحواس الخمسة للإنسان، اللمس، والتذوق، والشَم، والرؤية، والسمع، ويتم فيها معالجتها داخل الجهاز العصبي، وتعمل بسرعة فائقة للغاية تصل لثواني معدودة، يعمل فيها المخ على التقاط البيانات وتوزيعها وتخزينها، وانتقاء الهام منها فقط، وترك الباقي، بحد أقصى خمس ثواني فقط!
ويرجح البعض أن عمل الذاكرة الحسية يدور في اللاوعي بسبب قصر مدة التخزين والمعالجة داخل الجهاز العصبي، ومنهج العمل الذي يعتمد على الآلية الشديدة. لا تستهلك هذه الذاكرة مجهود يذكر أو تركيز أو انتباه نظرًا للتلقائية التي تعمل بها لدرجة أن الشخص لا يكاد يشعر بحدوثها، وبالتالي لا يتوقف عندها لبذل أي مجهود.
وهي ذاكرة عاملة باستمرار، حيث لا تتذكر المعلومة فقط، وإنما تقوم بمعالجتها في نفس الوقت تقريبًا، وتحتفظ بكمية قليلة من المعلومات، لفترة قصيرة من الزمن تتراوح ما بين عشر ثواني إلى دقيقة واحدة.
تذكر أرقام التليفونات بدون كتابة حتى الوصول للقلم، ومهام الترجمة الفورية، ومتابعة حديث شخص أثناء النقاش حتى الرد عليه، هي كلها أمثلة على عمل ذاكرة المدى القصير.
ولأنها تعمل بشكل مستمر على مدار حياتنا اليومية، فلقد سميت أيضًا "الذاكرة العاملة"، أو "ذاكرة التشغيل"، ويكمن الفرق بينها وبين الذاكرة الحسية في أنها تحدث بشكل واع وتطلب قدر قليل من المجهود، والمخ يعمل على معالجتها، بشكل إدراكي واضح.
سعة التخزين في هذا النوع من الذاكرة محدود، ولذلك فمن غير المعقول مثلا أن تتذكر تسع أرقام تليفونات في وقت واحد! هي إذن ذاكرة مؤقتة، ولكنها الخطوة الأساسية الأولى نحو عمل النوع القادم وهو: الذاكرة طويلة المدى.
وهي تشير في كثير من الأحيان إلى المفهوم الأصلي الشائع للعامة عن الذاكرة: عملية التذكر.
حيث يحتفظ المخ بالمعلومات لمدد طويلة، وكذلك بكميات كبيرة، عن طريق التكرار العقلي للمعلومة بعد بذل مجهود في تثبيتها داخل المخ، عن طريق عملية متشابكة جدًا من ربطها بمعارف وبيانات أخرى، حتى تكتمل عملية الاستدعاء وبالتالي التذكر.
قد تتوه بعض هذه المعلومات، أو تتوارى، ولكن لا تزول، من أقل بادرة لاسترجاعها، تظهر مرة أخرى.
القدرة التخزينية لهذا الذاكرة لا نهائي من حيث الكمية والمدة الزمنية، ويمتد مداها إلى عشرات السنين وربما أكثر، بعدها تبدأ الذاكرة في ترتيب الأولويات بالسماح لبعض البيانات في الظهور المستمر، وطمس بعضها (الغير مستخدم/مطلوب) في جانب آخر من المخ، ومع أول بارقة أو احتياج تظهر مرة أخرى.
قد تضمحل هذه الذاكرة مع الوقت بقدر ضئيل جدًا، ولكن نظرًا لحدوثها وعملها في منطقة الوعي، فإنه يمكن تنميتها، وتطويرها وتدريبها لكي تصبح أفضل أداءًا.
مهم للغاية أن نتعرض لهذه العوامل حتى نستفيد منها في عملية الاستذكار، أو القراءة، أو العمل، أو أي مهمة أخرى تتطلب تشغيل للذاكرة بكامل طاقتها.
وهو يعرف بشكل واقعي قدرتنا على التعلم، مثلًا يمكن للشخص البالغ أن يتذكر لمدة دقيقة واحدة رقمًا مكون من خمسة أرقام، وقد سمعه مرة واحدة فقط، وإذا زاد عن ذلك يصبح تذكره أصعب- حتى لو سُمع مرتين.
قد تكون بعض المواد أصعب من أخرى في التذكر، مثلُا الجغرافيا عن التاريخ، أو الشِعر عن النثر، أو مصفوفات الأرقام الكبيرة عن الجداول الرقمية البسيطة، بعض أجزاء جدول الضرب عن بعض الأجزاء الأخرى. وهكذا!
لا توجد إجابة قاطعة عن العلاقة بين السن والذاكرة، لأن الفروق الفردية ونمط الحياة، والعوامل الوراثية، والاجتماعية تتداخل لتخلق رسم لهذا المنحنى الذي تبدأ عنده الذاكرة في التدهور.
وهو متباين أيضًا، ويخضع لعوامل وراثية وبيئية وقدرات شخصية بحتة! ولذلك فإن الذاكرة تتبعه بنفس القدر.
تميل بعض الأبحاث إلى اعتبار إن البنات قد تكون أكثر قدرة على القيام بأداء أفضل في التذكر، ولكنها غير حاسمة.
وبرغم انها عامل مكتسب، إلا أن الدافع والرغبة والحافزية للتعلم هي العامل الأهم بين الكل في حسم إيجابية التعلم. الرغبة في الوصول إلى هدف ما، يشحذ صاحب الهدف إلى بذل مجهود أكبر في إبقاء ذاكرته في حالة نشاط دائم، تجعله يفوق أقرانه الذين ربما يكونوا أعلى في المستوى العقلي أو السن أو الجنس!
هناك أيضأ بعض الأسباب التي تؤثر بالسلب في ضعف الذاكرة:
مثلها مثل أي عملية معرفية إنسانية، يمكن للشخص أن يعمل على تطوير ذاكرته باستمرار، وتطويعها للعمل معه بشكل مثالي:
سوف تظل الذاكرة البشرية محل بحث واهتمام مستمر نظرًا لأهميتها في التقدم البشري، واعتماد الإنسان عليها لكي يعمل ويتقدم ويعمر الأرض.
وبرغم كل التعقيدات المصاحبة للنظريات والدراسات التي تمت عليها، إلا أنها يمكن تنميتها والعمل عليها لكي تصبح أداة طيعة في يد صاحبها لأطول فترة من الزمن.