لأن مستوى التعليم هو سر تقدم الشعوب، ولأن الاهتمام به هو أول خطوة في تغيير مستقبل أي دولة، استمر المعلمين والعلماء، وحتى الآباء على مر التاريخ في محاولة تطوير وابتكار طرق تعليمية تستهدف تحسين أداء أبنائنا في مرحلة نمو الطفل العقلي، والنفسي، والجسدي. وجاءت تلك المحاولات كنتيجة لفهم الاختلافات المتعددة بين الأطفال سواء في القدرات الذهنية والاستيعابية أو في الفروق الفردية فيما بينهم.
ونظرًا لوجود تلك الفروق أصبح هناك فجوة بين التحصيل فيما بين الأطفال في التعليم التقليدي، فلتحقيق العدالة التعليمية والتأكد من حصول كافة الطلاب على ما يسلحهم لمواجهة العالم، كان لابد من ابتكار طرق تعليمية أكثر مرونة لتحتوي أكبر عدد من الأطفال غير النمطيين وغير التقليدين لتنمية شخصية الطفل وقدراته.
لذلك قامت الدكتورة ماريا مونتيسوري بابتكار طريقة تعليم جديدة تمزج بين اللعب والعلم في آن واحد ليعتمد التعليم وامتصاص المعلومات على الترفيه بالكامل لتكسبه مهارات الحياة العملية والعلمية، مما يجعل الأطفال يتعلمون بشكل تلقائي ودون الشعور بأن الذهاب إلى المدرسة عملية مرهقة وواجب اجتماعي ثقيل، بل أصبح التعليم مثل النزهة.
ماريا منتسوري هي دكتورة ومدرسة إيطالية ذاع سيطها بعد ابتكارها طريقتها الخاصة في التعليم، فبدلًا من المعلومات الثقيلة، التلقين و الحفظ، والاستذكار لساعات يوميًا، قررت ماريا اتباع مناهج التجربة، والمراقبة، والبحث العلمي من خلال دراسة طبيعة الأطفال الذهنية والجسدية في المراحل المختلفة من التعليم لتبتكر طرق وآليات تساعدهم على التعلم بشكل أفضل.
بدأت منتسوري رحلتها في تعليم الأطفال بأشكال مبتكرة من خلال إنشاء مدرسة متخصصة في تعليم المعاقين تدعى أورتوفرينكا، ثم عملت كمديرة لها لمدة سنتين، طبقت من خلالها الطرق التعليمية التي أسسها سيجوان في تربية ذوي الاحتياجات الخاصة و الأطفال ذوي الإعاقات العقلية، لتحقق نجاح غير مسبوق مع أطفال ذو حظ ومهارات أقل بكثير من الأطفال العاديين.
مما جعل منتسوري تتسائل " بينما كان الناس في منتهى الإعجاب بنجاح تلاميذي من ذوي الإعاقات العقلية، انتابني الدهشة لبقاء الأطفال الأسوياء في ذلك المستوى الضعيف من التعليم"، ومن هنا قررت منتسوري استعمال نفس الطرق والأساليب العلمية التي ابتكرتها مع الأطفال العاديين فلا شك من أن هذه الطريقة الجديدة المبدعة ستحدث نفس النتائج غير المتوقعة عند استخدامها مع أطفال مختلفين.
النظام التعليمي المنتسوري هو نظام تعليمي مصمم لمراقبة النظام البيولوجي لنمة الأطفال من أجل تصميم منهج تعليمي مفصل لإمكانيات كل طفل على حدى، يراعي هذا النظام قصور واختلافات وتنوع ظروف كل طفل.
ويعمل هذا النظام على توفير وسائل التربية الذاتية في بيئة الطفل، مع الحرص على توفير كافة الأدوات التفاعلية التي تساعد الطفل على تطوير مهاراته.
تجهز الفصول وأماكن تلقي التعليم المختلفة الخاصة بالأطفال بما فيها المنزل بالأدوات المطلوبة لتطبيق هذا النظام.
يتركز المنهج على تنمية مهارات الحياة العملية أي المهارات الأساسية المتعلقة بالتنظيم و تعتمد طريقة مونتيسوري على جعل التعليم فعالًا وداعمًا لطبيعة الطفل من خلال تشجيع قدرات الطفل على اكتشاف العالم والتعلم عنه أكثر عبر حواسه، بدلًا من الاعتماد على التلقين والحفظ والطرق التعليمية التي اثبتت فشلها مرارًا وتكرارًا.
لذلك يمكن تلخيص تعريف منهج المنتسوري باختصار على أنه منهج تعليمي وتربوي يعتمد على فلسفة أن التعليم يبدأ بتنمية مهارات وشخصية الطفل في كامل النواحي النفسية والعقلية والحركية، مما سيؤدي لاحقًا إلى التنمية الفكرية وتطوير قدراته الإبداعية، ومهارات حل المشكلات.
يتمحور دور المعلم المدرب لتطبيق منتسوري، على المراقبة والإرشاد، وتحفيز الطالب واستخراج أفضل قدراته.
مما يؤهل الطالب ليتصرف، وينتج ويتعلم بحرية وإبداع وفاعلية أكبر من طرق التعليم التقليدية التي ترتكز على التلقين.
كما تبين أن هذا الأسلوب يعزز ثقة الطفل بنفسه، ويقوي شخصيته بشكل كبير.من أساسيات فلسفة منتسوري التعليمية أنه على المعلم أن يتبع الطالب، من خلال التعرف على احتياجاته، وصفاته الشخصية.
لكي يتمكن المعلم من تصميم المنهج والبيئة المحيطة لتخدم هذه الاحتياجات وتعزز هذه القدرات.
يقوم منهج منتسوري على ستة مبادئ أساسية يدور حولها المراحل التعليمية المختلفة للطفل وهم : الحرية الهيكلية، والنظام، والطبيعة ومحاكاة الواقع، والجمال، والجو العام، والحياة المجتمعية.
لذلك نرى المدارس والحضانات التي تتبع أسلوب ومنهج المنتسوري لا تحتوي على سبورة، أو كتب تعليمية ثقيلة، حيث تدور الفكرة التعليمية حول الطفل ذاته كونه المتعلم والعنصر الأساسي في العملية التعليمية.
تبدأ الرحلة التعليمية من سن الثالثة (3 سنوات) من خلال مبادئ القراءة والكتابة، والقليل من العلوم والرياضيات بالمستوى الذي يناسب عمر الطفل ونموه الذهني والمستوى الإدراكي الخاص به لا بناء على عمره البيولوجي بالتحديد، لذلك فإن الأطفال التي تظهر تقدم أكثر من أقرانها يمكنهم الانتقال إلى المرحلة التالية بسهولة دون الحاجة إلى انتظار مرور السنة الدراسية بالكامل.
وهناك أكثر من طريقة في تدريب الحواس الأساسية الخاصة بأبنائنا، منها:
تعتمد تلك الطريقة على تنمية مهارات الطفل البصرية من خلال تعليمه التمييز بين الأشكال، والألوان، والأحجام المختلفة، سيحفز هذا الأسلوب إدراك المادة Matter، فمثلًا يمكنك تقديم الأشكال الخشبية المختلفة له بشكل أمن من خلال أختيار قطع متعددة الحجم، وبألوان تختلف عن بعضها البعض.
المعرفة هي الطريقة الوحيدة لحماية طفلك، فعندما يتعلم طفلك الفروق بين درجات الحرارة، وما يمكنه أن يتحمله، وما الخطر عليه وعلى بشرته، سيتمكن من اتقان حاسة استشعار درجات الحرارة.
يمكنك بعدها الانتقال إلى فكرة اختيار الملابس المناسبة لكل فصل حسب الطقس الحالي من خلال تركه يشعر بالبرد في بداية اليوم قليلًا، ثم تقديم حل المشكلة له، أو على العكس إشعاره بالحرارة في الصباح ثم تعليمه أن الحمام البارد والملابس القطنية الخفيفة هي الحل.
سيؤهل هذا الأسلوب الطفل للتعرف على ملمس الأشياء، فيفرق بين الملمس الناعم، والخشن، وغيرها.
ويمكن تعليم الطفل المصطلحات المختلفة لهذه المواقف ليتمكن من التفاعل والتعبير عما يشعر بملمسه من خلال كلمات يمكنه استخدامها في حياته اليومية.
يعطى الطفل مواد وأطعمة مختلفة ليفرزها من خلال استخدام حاسة الشم. سيمكن هذا طفلك من تحديد قوة الروائح ثم يصبح قادرًا على إطلاق المفردات المختلفة لوصف تلك الروائح وتعريف شدتها للآخرين.
يمكن ممارسة هذه التمارين في نزهة أو عند الطهو من خلال تزويد الطفل بأسماء الأشياء التي يشمها وسؤاله عن ما يفضله وما نفر منه من هذه الروائح.
تذوق الوجبات يعطي طفلك فرصة كبيرة لتنمية هذه الحاسة، وتجنبه وضع الأشياء والمواد غير القابلة للأكل في فمه.
سيمكنه هذا من التعرف على الأطعمة العادية، والحارة، وذات الملوحة العالية وغيرها، وفي النهاية يمكنك سؤاله عن ما هو طعامه المفضل حتى الآن.
يمكنك عمل تمرين بسيط مع طفلك حتى يتمكن من تجسيم الأشكال والمواد من دون رؤية شكلها، أو حتى شم رائحتها.
احضري كيسًا من القماش داكن اللون ثم ضعيه داخل حقيبة قماشية وضعي داخله أي غرض يعرفه طفلك مسبقًا، ثم أطلبي منه تخمين ما في الحقيبة عن طريق تحسسها فقط.